المقلاة الكبيرة

يروى أن صياداً كان يصطاد السمك بكثرة ، وكان موضع حسد بين زملائه الصيادين ، وذات يوم، استشاطوا غضباً عندما لاحظوا أن الصياد المحظوظ يحتفظ بالأسماك الصغيرة ويرجع الأسماك الكبيرة إلى البحر، عندها صرخوا فيه : ماذا تفعل؟ هل أنت مجنون؟ لماذا ترمي السمكات الكبيرة ؟
عندها أجابهم الصياد : "لأني أملك مقلاة صغيرة فقط"
قد لا نصدق هذه القصة, و قد تكون خيالية ، لكن للأسف نحن نفعل كل يوم ما فعله هذا الصياد ، حين نرمي بالأفكار الكبيرة والأحلام الرائعة والبرامج الخلاقة ، و الاحتمالات الممكنة لنجاحنا خلف أظهرنا لأنها تبدو أكبر من عقولنا وإمكانيتنا _ كما هي مقلاة ذلك الصياد_ .
إن هذا الأمر لا ينطبق فقط على النجاح المادي ، بل أعتقد أنه ينطبق على جوانب كثيرة من حياتنا .
فالمتتبع لاهتمامات المواطن المغربي _ و العربي عموما _ يجدها تتأرجح بين التهافت على لقمة العيش ، و هو أمر يجد تبريراته ضمن سياسة القمع و التجويع التي ينكوي المواطن البسيط بنارها ، وبين الانكباب على الملهيات من مهرجانات فارغة ضيعت قوت عيال المغاربة ، وسهرات و شواطئ اختلط فيها الحابل بالنابل ، و ذلك انسياقا وراء سياسة مخزنية ، تهدف إلى إبعاد المواطن على القضايا الكبرى لمستقبله و المصيرية لبلده .
نستعرض هنا الحكمة الشهيرة التي تقول: ) أنت ما تؤمن به) .
دخل النبي صلى الله عليه و سلم على رجل محموم ، فمرر يده الشريفة على جسده و دعا له : طهور إن شاء الله ، فقال الرجل : بل حمى تفور على شيخ كبير تورده القبور ، فقال صلى الله عليه و سلم : إذن هي كذلك ، فمات الرجل من ساعته .
إن واقع الظلم و الاستبداد المسلط على رقابنا جعل الكثير منا حبيس واقعه ، استسلم له ، و ظن ألا إمكانية لتغيير واقعه الفردي أو وافع أمته الجماعي .
إن ما نتوقعه من أحزابنا و منظماتنا ، وهيئاتنا السياسية وجمعياتنا المدنية و جماعاتنا الإسلامية ، هو أن ترفع من سقف المطالب لتكون من أولوياتها تحقيق العيش الكريم بما تعنيه الكلمة من معنى في ظل العدل و المساواة ، لا التهافت على الفتات الذي يرميه لها المخزن بين الحين و الآخر .
ماذا سيحدث لو رمى كل واحد منا بمقلاته الصغيرة التي يقيس بها أحلامه واستبدلها بواحدة أكبر؟
ماذا سيحدث لو قررنا أن لا نرضى بالحصول على أقل مما نريده ونتمناه؟
ماذا سيحدث لو قررنا أن نبدأ بذلك اليوم ؟
ولا ننس حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى"

مع تحيات : الحناوي